لم تعد مسألة اضطهاد المسلمين أمرا استثنائيا أو عرضيا قد يحدث في مكان ما من هذا العالم ثم يختفي بعد ذلك، بل تحول الأمر إلى ظاهرة يمكن رصدها دون أي جهد أو عناء، فمن يتابع أو يقرأ أخبار العالم اليومية، يمكنه ملاحظة تنقل هذا الاضطهاد من مكان لآخر، دون أن يظهر في الأفق أي أفول أو تراجع لهذه الظاهرة، بل على العكس تماما فإنها تزداد كما وشدة بمرور الأيام
وتتعدد الأسباب والدوافع وراء هذا الاضطهاد، بدءا من عداء متأصل للإسلام والمسلمين منذ بعثة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وصولا إلى الخوف من الانتشار السريع لهذا الدين، وليس انتهاء بالخشية على مصالح ومنافع بنيت على الظلم والفساد والطغيان الذي يحاربه الإسلام.
وقد كانت آخر أخبار اضطهاد المسلمين في الصين، حيث قتلت قوات الاحتلال الصيني 14 مسلما بالرصاص بتركستان الشرقية (شينجيانج)، جاء ذلك إثر احتجاجات لمسلمي الإيغور اندلعت بالقرب من مدينة كاشقار على طريق الحرير القديم، فيما ادعت الحكومة الصينية أن الاحتجاجات أدت إلى مقتل شرطيين، على حد قولها.
وكعادة السلطات الصينية في تزوير الحقائق وتشويه الوقائع في أمثال هذه الحوادث، فقد زعمت أن سبب الحادث هو مهاجمة حشد من الناس الشرطة ورشقها بعبوات متفجرة، مضيفة أنهم كانوا يشهرون سكاكين عندما توجهت الشرطة لاعتقال (مجرمين مشتبه بهم) في قرية قرب مدينة كاشقار في إقليم (شينجيانج)، مدعية أن الشرطة ردت بشكل حاسم، وأنها اعتقلت شخصين فقط، وأعربت عن نيتها إجراء تحقيق بالأمر.
لكن هذه الرواية للوقائع رفضتها جملة وتفصيلا منظمة المؤتمر العالمي للإيغور بالمنفى، وقال ديلشات ريكسيت المتحدث باسم المنظمة: إن القتلى سقطوا عندما اقتحم رجال شرطة مسلحون منزلا كان يجتمع فيه أشخاص من الإيغور. وأضاف ريكسيت لوكالة فرانس برس: "إنه بحسب القوانين الجديدة السارية في شينجيانغ، فإن لرجال الشرطة الحق في أن يبادروا في إطلاق النار"، مؤكدا "أن أربعة عشر إيغوريا قتلوا وتم توقيف اثنين آخرين".
وبينما يحاول الإعلام الغربي ومن ورائه العربي التركيز على (التبت) كأقلية مضطهدة في الصين، ينسى الجميع معاناة واضطهاد بكين لمسلمي الإيغور رغم كونهم أكثرية في بلدهم وليسوا أقلية، وبمقارنة بسيطة يمكن استنتاج أن (التبت) أفضل حالا من مسلمي الإيغور بمراحل، فقد زاد عدد سكان التبت بشكل ملحوظ بسبب استثنائهم من قانون (طفل واحد للعائلة الواحدة) الذي تفرضه الصين، كما أن أديرة التبت ومدارسهم محفوظة ومصانة، ويقوم الرهبان فيها بنشاطاتهم كاملة، بينما يحرم المسلمون من ذلك.
ولعل الكثير من المسلمين لا يعلمون أن ما يدعى (إقليم شينجيانج) إنما هو في الحقيقة (تركستان الشرقية)، وقد قامت الصين بتغيير اسم البلد لتنزع منه الصبغة الإسلامية من تلك المساحة الكبيرة 1,6 مليون كم، والتي تشكل ما يساوي مساحة إيران وسدس مساحة الصين، والتي يمثل المسلمون فيها أغلبية بنسبة 90%، وهو ما أزعج الحكومة الصينية التي تحاول بشتى الوسائل تقليل هذه الأغلبية من خلال سياسات الاضطهاد والتهجير التي سنأتي على ذكرها.
ويذكر الباحثون أن اسم تركستان ينقسم إلى كلمتين: (ترك) و(ستان) ومعناها أرض الترك، وقد نالت استقلالها لفترة وجيزة عن الصين عام 1944، إلا أن قيام ثورة عام 1949 والإعلان عن قيام الشيوعية فيها أعادت تركستان الشرقية إلى الاحتلال الصيني مرة أخرى. وتاريخ الاضطهاد الصيني لمسلمي الإيغور طويل يعود إلى عام 1863 حيث قتل الصينيون (المانكو) من مسلمي الإيغور أكثر من مليون، واستمر الاضطهاد في عام 1873م في عهد أسرة كينج، ليأتي عام 1949 داميا أيضا بعد انتهاك الجيش الصيني الشيوعي لسيادة تركستان الشرقية واستقلالها، وضمها ثانية إلى الصين.
ويمكن تلخيص أشكال اضطهاد الصين لمسلمي الإيغور بعدة أنواع هي
طمس الهوية الوطنية لأهل البلد، وتحويل تلك الواحات الإيغورية الوارفة إلى مدن صينية لا نرى فيها أي ملمح لثقافة الإيغور أصحاب الأرض الأصليين، وذلك من خلال التغيير الديموغرافي لتركستان الشرقية بجلب الملايين من قومية (الهان) الصينيين وتوطينهم بتركستان الشرقية وتهجير المسلمين الإيغور منها، ليصبحوا أقلية في الأقاليم الصينية كافة، وتذكر الإحصائيات أن عدد مسلمي الإيغور في تركستان الشرقية في عام 1949م كان 18 مليون أكثر من 90% من عدد سكان الإقليم، ليتناقص العدد إلى حوالي 8 مليون فقط في الوقت الحالي. وقد اعترف (خويا وبانغ) سكرتير الحزب الشيوعي السابق لعموم الصين بهذا الأمر، حيث صرح في حديث إلى التلفزيون الرسمي أن الصين تهدف إلى توطين مائتي مليون صيني على أرض الأويغور.
تطبيق قانون (الولد الواحد للعائلة الواحدة) على مسلمي الإيغور خاصة للتقليل من أعدادهم، فقد قررت السلطات الصينية في عام 1989م حصر الولادات بمعدل 3 أولاد في الريف للأسرة الواحدة، وولدين في المدينة، وفرض غرامة قدرها 500 دولار لكل مخالف، الأمر الذي اعتبره الإيغور مخالفا لتعاليم الإسلام وتعبير عن الشوفينية الصينية، وقد أدى القانون لكثير من المواجهات بين المسلمين وموظفي تحديد النسل.
تلويث البيئة في تركستان الشرقية من خلال إجراء التجارب الذرية الصينية هناك، وقد اتهمت منظمات دولية الحكومة الصينية بإجراء أكثر من أربعين تجربة نووية شمال الإقليم، مما أدى إلى وفاة حوالي 200000 شخص حسب المعارضين الإيغور، وتشير دراسة سرية إنكليزية إلى ازدياد كبير في نسبة المصابين بالسرطان نتيجة التأثر بهذه الإشعاعات النووية.
التمييز العنصري من خلال مساعدة عرق (الهان) على الاستحواذ على ثروات الإقليم وتولي المناصب العليا والقيادية، في حين يجبر الفلاحون الإيغور على بيع محصولهم من القطن بأسعار متدنية لمصانع النسيج.
التضييق عليهم في عباداتهم ومظاهرهم الإسلامية وهدم مساجدهم وإزالة مدارسهم، واتهامهم الدائم والمستمر بالإرهاب رغم براءتهم منه لتبرير عمليات الاضطهاد والعنصرية الممارس عليهم. وللدلالة على براءة الإيغور من اتهامات الحكومة الصينية لهم بالإرهاب، والتي ينكرونها جملة وتفصيلا، خرجت وثيقة أعدها عدد من أعضاء البرلمان الكنديين عام 1998م تؤكد هذه البراءة، حيث اتهمت الوثيقة بكين بتلفيق تهم الإرهاب بالإيغور، وأكدت الوثيقة أن الايغور لم يكونوا يوما مسؤولين عن أي من الأعمال الإرهابية، بل على العكس هم من يعيشون تحت سيطرة إرهابية خطيرة من قبل الحكومة الصينية.
إن شدة معاناة الايغور من الاضطهاد الصيني – رغم عدم التركيز الإعلامي عليها – فاقت جميع التصورات، فقد أكدت كمية كبيرة من الوثائق من ضمنهما بعض الوثائق التي أعدتها مفوضية حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، أن الأدلة تشير أن سكان تركستان الشرقية من أكثر الشعوب المضطهدة التي تعرضت للغزو على ظهر الأرض. فهل يمكن لأحد بعد كل هذا أن ينكر وجود ظاهرة اضطهاد المسلمين في العالم؟! وهل سنكتفي إزاء ذلك كمسلمين بالتنديد والاستنكار الذي بات يثير سخط و سخرية المسلمين قبل غيرهم؟
بقلم
عامر الهوشان |