نقدم اليوم خطبة الجمعة قصيرة، تتمحور عن الإيمان والطمأنينة وطرد الشيطان، من أروع وأجمل الخطب مؤثرة، أتمنى أن تنال إعجابكم.
خطبة الجمعة قصيرة
الحمدُ لله الّذي جعل في الرّضا بقضائه، والتّسليم لأمره، سعادة لقُلُوب عباده، ورفعة لمنازل أوليائه، وأشهدُ أن لاّ إله إلاّ اللهُ وحدهُ لا شريك لهُ، لا مُعقّب لحُكمه ولا رادّ لقضائه، وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبيّنا مُحمّدا عبدُ الله ورسُولُهُ، خيرُ من آمن بالله وسبّح بحمده، وأقرّ بجلاله ومجده، فشرح اللهُ صدرهُ، ورفع في العالمين ذكرهُ، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه، وعلى كُلّ من اهتدى بهديه، واستنّ بسُنّته إلى يوم الدّين.أما بعد، فاتقوا الله -أيها المؤمنون- فإن تقواه طمأنينة ونجاة، واستعينوا به في أموركم كلها، فمن استعان به أعانه وكفاه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ).
واعلموا - رحمكم الله - أن سكون القلب وعدم اضطرابه، مطلب شرعي ليصل المؤمن إلى الطمأنينة التي تلازمه في كل حياته، ويكون قلبه عامرا بمحبة الله تعالى وطاعته، وكراهة الذنوب والمعاصي، وليس هناك شيء كالرضا بقضاء الله تعالى، وتفويض الأمور إليه والتسليم لأمره؛ والتوكل عليه؛ يحقق للإنسان الهدوء والسكينة والاستقرار، ويمنحه الانطلاق نحو فعل الخير، يقول الله عز وجل:
ُوَ الَّذي أَنزَلَ السَّكينَةَ في قُلُوب المُؤمنينَ ليَزدَادُوا إيمَانا مَّعَ إيمَانهم وَللَّه جُنُودُ السَّمَاوَات وَالأَرض ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَليما حَكيما
آية أنزلها الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين في لحظات الخوف والاضطراب، فاستراحت قلوبهم وسكنت، وزال عنها الخوف فهدأت، بل زاد الإيمان واليقين فيها فانطلقت.
أيها المسلمون:
إنّ الكون وما فيه يسيرُ بتقدير الله سُبحانهُ، وبقضائه وقدره، وهذا الإيمانُ يجعلُ نفس المُؤمن مُطمئنّة فيما يحصُلُ من أحداث خيرا كانت أم شرّا، فيرضى بذلك ولا يسخطُ، لاعتقاده أنّ ما قدّرهُ اللهُ للإنسان من نصيب سوف يأتي صاحبهُ لا يُخطئُ ولا يخيبُ؛ فمن رضي بالله ربّا رضي بقسمته، وهذا هُو أغنى النّاس، يقُولُ الرّسُولُ صلى الله عليه وسلم : ( ارض بما قسم اللهُ لك؛ تكُن أغنى النّاس).
إن الرضا بما قسم الله لا يعني التكاسل والإهمال، وترك الحركة وهجر الأعمال، ذلك فهم سقيم وفكر عقيم، يؤدي إلى وأد النشاط، وإصابة المرء باليأس والإحباط، فليبذل المرء طاقته لتحقيق هدفه المشروع، وحسبه أنه عمل وما قصر، يقول الله تبارك وتعالى:
وَرَبُّكَ يَخلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَختَارُ ۗ مَا كَانَ لَهُمُ الخيَرَةُ ۚ سُبحَانَ اللَّه وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشركُونَ
وإذا ما أصاب الإنسان هم أو حزن، فعليه أن يبذل جهده في سبيل التغلب على المكروه، فالرضا به عجز ويأس لا يرضى به الدين، أما إذا كان المكروه يفوق طاقة الإنسان، ويتجاوز حدود قدرته فليس حينئذ أفضل من رباطة الجأش والاتزان، وفي كلتا الحالتين لا يستغني المؤمن عن طلب العون من الله تبارك وتعالى، فعندما فقد نبي الله يعقوب ابنه يوسف - عليهما السلام - تذرع بالصبر ولم ييأس واستعان بالله فقال:
وَجَاءُوا عَلَىٰ قَميصه بدَم كَذب ۚ قَالَ بَل سَوَّلَت لَكُم أَنفُسُكُم أَمرا فَصَبر جَميل وَاللَّهُ المُستَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصفُونَ
وقد ربّى النّبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابهُ على ذلك فقال مُعلّما ومُوجّها: (إذا أصبحت وإذا أمسيت فقُل: اللّهُمّ إنّي أعُوذُ بك من الهمّ والحزن، وأعُوذُ بك من العجز والكسل).
أيها المؤمنون:
إن الذي يفوض أمره إلى الله ويرضى بقدره؛ يحقق أصلا من أصول الإيمان ألا وهو الإيمان بالقدر خيره وشره، وقد جاء في وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عمه عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -: (واعلم أنّ ما أصابك لم يكُن ليُخطئك، وما أخطأك لم يكُن ليُصيبك).
إن التسليم لله أفضل من حزن خرج عن حدود الاعتدال، فأوصل صاحبه إلى الاعتراض على قضاء الله وقدره، كما أن التسليم لله علاج نافع يقضي على كل هم ويذيب كل أسى وغم. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( عجبا لأمر المُؤمن إنّ أمرهُ كُلّهُ لهُ خير، وليس ذلك لأحد إلاّ للمُؤمن، إن أصابتهُ سرّاءُ شكر فكان خيرا لهُ، وإن أصابتهُ ضرّاءُ صبر فكان خيرا لهُ ).
وهذا هو حال المؤمن الذي يحب ما أحبه الله له وقضى له به، لأنه يؤمن أن كل ما أراده الله لعبده خير وإن كرهه، يقول تبارك وتعالى:
يا أيُّها الّذِين آمنُوا لا يحِلُّ لكُم أن ترِثُوا النِّساء كرها ۖ ولا تعضُلُوهُنّ لِتذهبُوا بِبعضِ ما آتيتُمُوهُنّ إِلّا أن يأتِين بِفاحِشة مُّبيِّنة ۚوعاشِرُوهُنّ بِالمعرُوفِ ۚ فإِن كرِهتُمُوهُنّ فعسىٰ أن تكرهُوا شيئا ويجعل اللّهُ فِيهِ خيرا كثِيرا
فالعاقل من يطرق الأبواب ويأتي بالأسباب ثم يدع النتائج لله، وهو مؤمن بأن الله بقدرته قد يحول الداء دواء والمحنة منحة، وهذا أعظم ثمرات اليقين، والرضا بما يصنعه رب العالمين.
فاتّقُوا الله - عِباد اللهِ -، وارضوا بِقضائِهِ، وسلِّمُوا أُمُوركُم لإِرادتِهِ، يرفعكُم إِلى أعلى المقاماتِ، ويُنِلكُم أرفع الدّرجاتِ.
إذا رضي المرء بقضاء الله وفوض أمره إلى الله؛ انطلق لفعل الخير متوكلا على ربه معتمدا عليه، موقنا بأنه لا يعطي ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع سواه ( قُل هُو الرّحمٰنُ آمنّا بِهِ وعليهِ توكّلنا فستعلمُون من هُو فِي ضلال مُّبِين ).
فما أحوج العبد إلى التوكل وإدراك فحواه، ليعمل على أساسه، متمسكا بمعونته تعالى، ومطمئنا إلى كفالته سبحانه حين قال: ( وفِي السّماءِ رِزقُكُم وما تُوعدُون (22) فوربِّ السّماءِ والأرضِ إِنّهُ لحقّ مِّثل ما أنّكُم تنطِقُون )، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( لو توكّلتُم على اللهِ حقّ توكُّلِهِ لرزقكُم كما يرزُقُ الطير تغدُو خِماصا وترُوحُ بِطانا ).
فلا يظنن العبد عجزه توكلا ولا توكله عجزا، وقد لقي عمر بن الخطاب ناسا فقال: ( من أنتُم؟ قالُوا: نحنُ المُتوكِّلُون، قال: بل أنتُمُ المُتواكِلُون، إِنّما المُتوكِّلُ الّذِي يُلقِي الحبّة فِي الأرضِ ويتوكّلُ على اللهِ عزّ وجلّ ).
ومن مسالك الشيطان تخويف الإنسان في رزقه وحياته، ومن ضعفه تجاه غيره، ( الشّيطانُ يعِدُكُمُ الفقر ويأمُرُكُم بِالفحشاءِ ۖ واللّهُ يعِدُكُم مّغفِرة مِّنهُ وفضلا ۗ واللّهُ واسِع علِيم ).
فعلى المؤمن أن يجعل في الله ثقته وفي عظمته قوته، فينال ببركة توكله محبة الله، فيورثه جنته ورضوانه، ويا له من جزاء ما أعظمه، ( والّذِين آمنُوا وعمِلُوا الصّالِحاتِ لنُبوِّئنّهُم مِّن الجنّةِ غُرفا تجرِي مِن تحتِها الأنهارُ خالِدِين فِيها ۚ نِعم أجرُ العامِلِين (58) الّذِين صبرُوا وعلىٰ ربِّهِم يتوكّلُون ).
فاتقوا الله - إخوة الإيمان -، وتوكلوا على الله، فإن من توكل عليه هداه، ومن لاذ به حماه، ولنوقن أن كل شيء بقبضة الله، فما شاء أمضاه، وما لم يشأ نفاه ( لهُ مقالِيدُ السّماواتِ والأرضِ يبسُطُ الرِّزق لِمن يشاءُ ويقدِرُ ۚ إِنّهُ بِكُلِّ شيء علِيم ).
هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين، وقائد الغر المحجلين، فقد أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه في محكم كتابه حيث قال عز قائلا عليما: ( إِنّ اللّه وملائِكتهُ يُصلُّون على النّبِيِّ ۚيا أيُّها الّذِين آمنُوا صلُّوا عليهِ وسلِّمُوا تسلِيما )
خطب الجمعة ذات صلة:
خطب الجمعة ذات صلة:
بعض الادعية خطبة الجمعة قصيرة
اللّهُمّ صلِّ وسلِّم على سيِّدِنا مُحمّد وعلى آلِ سيِّدِنا مُحمّد، كما صلّيت وسلّمت على سيِّدِنا إِبراهِيم وعلى آلِ سيِّدِنا إِبراهِيم، وبارِك على سيِّدِنا مُحمّد وعلى آلِ سيِّدِنا مُحمّد، كما باركت على سيِّدِنا إِبراهِيم وعلى آلِ سيِّدِنا إِبراهِيم، فِي العالمِين إِنّك حمِيد مجِيد، وارض اللّهُمّ عن خُلفائِهِ الرّاشِدِين، وعن أزواجِهِ أُمّهاتِ المُؤمِنِين، وعن سائِرِ الصّحابةِ أجمعِين، وعن المُؤمِنِين والمُؤمِناتِ إِلى يومِ الدِّينِ، وعنّا معهُم بِرحمتِك يا أرحم الرّاحِمِين.
اللّهُمّ اجعل جمعنا هذا جمعا مرحُوما، واجعل تفرُّقنا مِن بعدِهِ تفرُّقا معصُوما، ولا تدع فِينا ولا معنا شقِيّا ولا محرُوما.
اللّهُمّ أعِزّ الإِسلام والمُسلِمِين، ووحِّدِ اللّهُمّ صُفُوفهُم، وأجمِع كلِمتهُم على الحقِّ، واكسِر شوكة الظّالِمِين، واكتُبِ السّلام والأمن لِعِبادِك أجمعِين.
اللّهُمّ يا حيُّ يا قيُّومُ يا ذا الجلالِ والإِكرامِ، لا إِله إِلاّ أنت سُبحانك بِك نستجِيرُ، وبِرحمتِك نستغِيثُ ألاّ تكِلنا إِلى أنفُسِنا طرفة عِين، ولا أدنى مِن ذلِك ولا أكثر، وأصلِح لنا شأننا كُلّهُ يا مُصلِح شأنِ الصّالِحِين.
اللّهُمّ ربّنا احفظ أوطاننا وأعِزّ سُلطاننا وأيِّدهُ بِالحقِّ وأيِّد بِهِ الحقّ يا ربّ العالمِين، اللّهُمّ أسبِغ عليهِ نِعمتك، وأيِّدهُ بِنُورِ حِكمتِك، وسدِّدهُ بِتوفِيقِك، واحفظهُ بِعينِ رِعايتِك.
اللّهُمّ أنزِل علينا مِن بركاتِ السّماء وأخرِج لنا مِن خيراتِ الأرضِ، وبارِك لنا في ثِمارِنا وزُرُوعِنا وكُلِّ أرزاقِنا يا ذا الجلالِ والإِكرامِ.
ربّنا آتِنا في الدُّنيا حسنة وفي الآخِرةِ حسنة وقِنا عذاب النّارِ.
اللّهُمّ اغفِر لِلمُؤمِنِين والمُؤمِناتِ، المُسلِمِين والمُسلِماتِ، الأحياءِ مِنهُم والأمواتِ، إِنّك سمِيع قرِيب مُجِيبُ الدُّعاءِ.